يا حافظ .. كيلو الطماطم بـ 15 جنيه !
بقلم / محمود القاعود
منذ نحو مائة عام كتب شاعر النيل ” حافظ إبراهيم ” قصيدة ملتهبة ، يُعلن فيها غضبه من ارتفاع الأسعار والغلاء ! ورغم أن الغلاء أيام حافظ لا يعادل مثقال ذرة من الغلاء الموجود هذه الأيام إلا أنك تشعر أنه كتب قصيدته منذ ساعات فقط وليس منذ قرن من الزمان !
لم يكن على أيام حافظ رجال القروض ولم تكن هناك مارينا و شرم الشيخ و الساحل الشمالى .. إلخ تلك المناطق الأسطورية المنعزلة عن المجتمع والحقيقة .. لم يكن على أيام حافظ احتكار للحديد والثروة .. لم يكن على أيام حافظ ” مدينتى ” أو حتى ” أوضتى ” .. لم يكن على أيام حافظ أعمال ” هبش ” منظمة كالتى نعيش فصولها الآن .. لم يكن على أيام حافظ سيدات يبحثن فى صناديق القمامة عن الطعام .. لم يكن أى شئ مما هو موجود اليوم على أيام حافظ ..
هذه بعض الأسعار لبعض الخضراوات – وقت كتابة هذا المقال – بتاريخ اليوم 11 أكتوبر 2010م ..
كيلو الطماطم بـ 15 جنيه
كيلو البطاطس بـ 5 جنيه وفى مناطق أخرى بـ 6
كيلو البامية بـ 9 جنيه ونصف
كيلو الفاصوليا بـ 18 جنيه !
حتى الكوسة الكيلو 4 جنيه
الملوخية الكيلو 4 جنيه
كيلو الثوم بـ 21 جنيه
كيلو البصل بـ 5 جنيه
كيلو الخيار بـ 7 جنيه
كيلو الفلفل بـ 5 جنيه
كيلو المانجو ب 18 جنيه ..
هذه أسعار بعض الأساسيات التى يحتاجها البيت المصرى والتى صارت الآن تمثل عملية انتحارية لمواطن يتقاضى 300 جنيه شهريا .. هذا عدا من يحصل على مائة جنيه شهريا أو أقل من ذلك ..
وبالقطع فإن ديناصورات الثروة والسلطة لا يشعرون بآلام الناس ولا بالغلاء أو ارتفاع الأسعار .. ولا يقف أحدهم فى طابور العيش .. ولا يذهب أحدهم إلى سوق ” التلات ” أو سوق ” الجمعة ” لشراء ما يحتاجه .. ولا يتعامل أحدهم بالجنيه المعدنى .. ولا يفكر أحدهم اليوم ماذا سيفعل فى طعام الغد .. ولا ينعى أحدهم هم إطعام أولاده أو أخوته ..ولا يركب أحدهم ميكروباص أو أتوبيس يُحشر فيه الناس حشرا .. هم لا يفكرون فى أى شئ مما يفكر فيه غالبية هذا الشعب المسحوق .. هم لا يفكرون سوى فى جمع الأموال والجرى خلف المغنيات والاستجمام فى باريس و بانكوك .
تخيلوا رب أسرة يقبض مائة جنيه شهريا .. اشترى كيلو لحم بـ 70 جنيه وكيلو طماطم بـ 15 جنيه وكيلو بطاطس بـ 5 جنيه وكيلو بصل بـ 5 جنيه .. وكيلو فلفل بـ 5 جنيه .. فبماذا يعيش هذا الرجل طوال أيام الشهر !؟
مائة جنيه تم صرفها فى وجبة غداء .. وثلاثمائة يتم صرفها فى ثلاث وجبات .. وخمسمائة يتم صرفها فى خمس وجبات .. أى بما يعنى أن الحد الأدنى لراتب أى فرد من المفروض ألا يقل عن 2000 جنيه شهريا حتى يستطيع الإنسان العيش .. هذا عدا متطلبات الحياة .. فإن كان له أولاد .. فلابد من مصاريف الدروس الخصوصية والملابس التى يشتريها لهم .. ومصروفاتهم .. بخلاف طبعا فواتير الكهرباء والمياه والغاز .. وإيجار الشقة التى يسكنها ..
كيف تستقيم حياة الناس فى ظل هذا الغلاء الذى يقابله ملايين الأفراد يعيشون تحت خط الفقر ، وراتب أوفرهم حظا 500 جنيه ؟؟
كيف تستقيم حياة امرأة مطلقة هرب زوجها أو أرملة لا يتجاوز معاش زوجها مائتى جنيه فى ظل هذه الأسعار الجنونية ؟؟
ألا يدفع هذا الغلاء الناس دفعا إلى ارتكاب الجريمة والرذيلة والانحراف ؟؟ ألا يدفع هذا الغلاء كل موظف أن يتحصل على ” الشاى ” – الاسم الحركى للرشوة – من المواطنين حتى يعوض ضآلة راتبه ؟؟ ألا يدفع هذا الغلاء أى سيدة فقيرة معدمة أن تنحرف أو تعمل فى كباريه أو تقع فى براثن الرذيلة حتى تجد من ينفق عليها ؟؟ ألا يدفع هذا الغلاء إلى كثرة أعمال السطو والسرقة والنصب والاحتيال والاختلاس ؟؟ ألا يدفع هذا الغلاء إلى الاتجار فى الممنوعات بغرض الكسب السريع ؟؟
ما هذا الذى يجرى فى مصر ؟ ولمصلحة من ؟ وهل يشعر أبطال النضال الزائف بهذا الغلاء وهم يتقاضون ما يقارب نصف مليون جنيه شهريا من أجل كلمات سفيهة يعتبرها بعض الغوغاء والدهماء معارضة وبطولة ؟؟ هل يشعر مقدمو برامج التوك شو أصحاب الملايين والقصور والسيارات الهامر بما يشعر به الناس ؟؟
إن من يقرأ قصيدة حافظ إبراهيم .. لا يُصدق أنها قيلت منذ مائة عام .. فالطماطم وقتها لم تكن بـ 15 جنيه للكيلو وكيلو اللحم لم يكن بـ 70 جنيها والناس لم يكونوا ينبشون فى صناديق القمامة للبحث عن الطعام .. ولم تكن هناك مزروعات تروى بمياه المجارى .. ولم تكن هناك أمراض مستوطنة مثل السرطان وفيروس سى وغيرهما من الأمراض الموجودة حاليا والتى تحصد الآلاف سنويا ..
هذه هى القصيدة الجديدة القديمة التى تشهد على خطف مصر من قبل قلة تتحكم فى الثروة والسلطة ولا تعبأ بعشرات الملايين من المشرّدين والمرضى الذين يئنون من الفاقة والحاجة :
أيها المصلحون ضاق بنا العيشُ
ولم تحسنوا عليه القياما
عزّت السّلعة الذّليلة حتى
بات مسحُ الحذاء خطبا جُساماوغدا القوتُ في يد الناس كالياقوتُ حتّى نوى الفقير الصيامايقطعُ اليوم طاوياً ولديه ِدون ريح القتار ريح الخُزامىويخال الرّغيف في البعد بدراً
ويظن اللّحوم صيدا حراما
إن أصابَ الرغيف من بعد كدٍصاح َ: من لي بأن أُصيبَ الإداما ؟أيها المصلحون أصلحتم الأرض
وبتُّم عن النفوسِ نياما
أصلحوا أنفسا أضر بها الفقْر
وأحيا بموتها الآثاما
ليس في طوقها الرحيل ولا الجدولا أن تواصِل الإقداماتؤْثِر الموت في ربى النيلِ جوعا
وترى العار أن تعاف المقاما
ورجال الشآم في كرة الأرض
يبارون في المسير الغماما
ركبوا البحرَ جاوزوا القٌطبَ فاتوا
موقِعَ النيّرين خاضوا الظلاما
يمتطون الحُطوبَ في طلب العيشويبرون للنضال السِّهاماوبنو مصر في حمى النيلِ صرعى
يرقبون القضاء عاماً فعاما
أيها النيِّلُ ! كيف نُمسي عطاشا
في بلادٍ رويت فيها الأناما؟
يرِدُ الواغل الغريب فيروىوبَنوكَ الكِرامُ تشكو الأواماإن لين الطّباعِ أورثنا الذلُ
وأغرى بنا الجُناة الطغاماإن طيب الُمناخِ جَرَّ علينافي سبيلِ الحياةِ ذاكَ الزِّحاماأيّها المُصلحون رفقا بقومٍقيّد العجزَ شيخهم والغُلاماوأغيثوا من الغلاءِ نفوساً
قد تمنّت مع الغلاء الحِماماأوشكت تأكلُ الهبيد من الفقروكاد تذود عنه النَّعامافأعيدوا لنا المُكوس فإنا
قد رأينا المُكوس أرخى زماما
ضاق في مصر قِسمُنا فاعذرونا
إن حسدنا على الجلاء الشآما
قد شَقينا ونحنُ كرّمنا الله
بعصرٍ يكرِّمُ الأنعاما;dg,hg'lh'l f15 [kdi
المفضلات