نعـــــــــــــــــــــــــــم
أحمد في الإنجيل
والجواب نهائي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في القرآن الكريم : -
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }
سورة الصف - آية 6
من أكثر الموضوعات جدلا بين المسلمين والمسيحيين هو أن المسلمين يقررون بأن
رسول الاسلام محمد موجود في الإنجيل باسم " أحمد " وحاول الكثيرون من
علماء المسلمين اثبات ذلك لكن كان هناك عناد من الجانب المسيحي فقررت في هذا
البحث ان اقرر بأن الرسول محمد هو أحمد والمذكور في الإنجيل بلفظ البارقليط أو
الفارقليط
أولا : النصوص التي ورد بها هذا اللفظ
"وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى
الأَبَدِ، 17رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ
فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ 18"
انجيل يوحنا اصحاح 14 عدد 18,17
"وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ،
رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. 27"
انجيل يوحنا اصحاح 15 عدد 27
"7صَدِّقوني، مِنَ الخَيرِ لكُم أنْ أذهَبَ، فإنْ كُنتُ لا أذهَبُ لا
يَجيئُكُمُ المُعزِّي. أمَّا إذا ذَهَبتُ فأُرسِلُهُ إلَيكُم. 8ومتى جاءَ وَبَّخَ العالَمَ على الخَطيئَةِ
والبِرِّ والدَّينونَةِ: 9أمَّا على الخَطيئَةِ فلأنَّهُم لا يُؤْمِنونَ بـي، 10وأمَّا على البِرِّ فلأنِّي
ذاهِبٌ إلى الآبِ ولَنْ تَرَوني، 11وأمَّا على الدَّينونَةِ فلأنَّ سيِّدَ هذا العالَمِ أُدينَ وحُكِمَ
علَيهِ. 12عِندي كلامٌ كثيرٌ أقولُهُ لكُم بَعدُ، ولكنَّكُم لا تَقدِرونَ الآنَ أنْ تَحتَمِلوهُ. 13فمَتى
جاءَ رُوحُ الحقِّ أَرشَدَكُم إلى الحَقِّ كُلِّهِ، لأنَّهُ لا يتكلَّمُ بِشيءٍ مِنْ عِندِهِ، بل يتكَلَّمُ بِما
يَسمَعُ ويُخْبِرُكُم بِما سيَحدُثُ. 14سيُمَجِّدُني لأنَّهُ يـأخُـذُ كلامي ويَقولُهُ لكُم. 15وكُلُّ ما
لِلآبِ هوَ لي، لذلِكَ قُلتُ لكُم: يأخُذُ كلامي ويَقولُهُ لكُم. 16بَعدَ قَليلٍ لا تَرَونَني، ثُمَ بَعدَ
قَليلٍ تَرَونَني"
انجيل يوحنا اصحاح 16: 7ـ 16
لفظ المعزي في الأصل النص السرياني تعني البارقليط وهو الذي بشر به المسيح
والذي يرى النصارى انه كان الروح القدس ويرى المسلمون بأنها تعني أحمد " محمد
" فلنرى ...........
أولا : المناقشة اللغوية للكلمة
كلمة بارقليط في السريانية عندما نحولها إلى كلمة يونانية يكون للمعنى احتمالين :-
الاحتمال الأول المعنى الذي يعتقده النصارى : وهو المعزي أو الشفيع أو المحامي =
PARACLYTOS - IIAPAKAHTOE ونطقها : الباراكلايتوس
الاحتمال الثاني المعنى الذي يعتقده المسلمون : وهو ماله حمد كثير كــ: أحمد ,
محمد , محمود = PERICLETOS - IIEPIKAHTOE ونطقها : البيركليتوس
وبالطبع اللفظ اليوناني المقابل للبارقليط والأقرب له هو الباراكليتوس لكن للأسف
المقصود كان اللفظ الثاني بدليل ان اللغة السريانية لم تكن تعرف حروف المد : الواو ,
والياء , والألف بصيغة مد حتى القرن الخامس الميلادي وبالتالي فإن الكلمة السريانية
التى قالها المسيح لم تكن بارقليط بل بيرقليط وهى المطابقة للاحتمال الثاني .
اذن فالمقصود هو المعنى الثاني : أحمد - البيريكليتوس ( البيرقليط ) وليس (
البارقليط) الباركلايتوس
ولو أراد المسيح ان يستخدم لفظ المعزي لم يكن من الأفضل له استخدام لفظ
paraclytos باراكليتوس بل المعزي في اليونانية تعنى parakalon باراكلون أو
parygorytys باريجوريتس وهي أدق في المعنى واستخدمت سابقا في مواضع
مختلفة في الكتاب المقدس ( انظر سفر مراثي إرميا 1 : 2 ،9 ، 16 ، 17 ، 21 ..الخ
). وهي تعني المعزي والوسيط والشفيع والمحامي وهي أدق من اللفظ الأول في
المعنى
كلمة البيركليتوس هي اسم لعلم (شخص) والدليل حرف s الأخير الذي يضاف
للأسماء في اليونانية .
والدليل ايضا ان كثيرون قبل الرسول محمد ادعى كل منهم بأنه البرقليط المنتظر
يقول الدكتور زكي شنودة ـ في كتابه ( تاريخ القبط ) ص148 المجلد الأول طبعة
1962 بمصر ما نصه: " ولد ماني سنة 220م وكان مجوسياً ثم اعتنق المسيحية
فأشاع بين الناس منذ سنة 268م أن المسيح ترك عمل الخلاص ناقصاً، وأنه هو
الذي سيتمه لأنه البرقليط الموعود وتشبه بالمسيح فاتخذ لنفسه اثني عشر تلميذاً
واثنين وسبعين أسقفاً وأرسلهم إلى كل بلاد الشرق حتى الهند والصين ليذيعوا
تعاليمه، فانخدع بأقواله جمع عظيم من الناس" .أﻫ
ومن قبل ماني كان (منتس) المسيحي والذي كان في القرن الثاني من الميلاد عام
177م حيث ادعى أنه هو البرقليط الموعود والمبشر به في الإنجيل على لسان عيسى
عليه السلام، وتبعه أناس كثيرون في ذلك الحين مما يثبت أن انتظار هذا البرقليط كان
في القرون الأولى للمسيحية ولذلك كان الناس يدعون أنهم مصادقيه، وكان
المسيحيون يقبلون دعاويهم.
والنجاشي ملك الحبشة قبل الإسلام كان نصرانياً منتظراً لقدوم البرقليط.
وكتب المقوقس ملك القبط في جوابه لكتاب النبي : " سلام عليك، أما بعد
فقد قرأت
كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقى وقد كنت أظن
أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك ".
والمقوقس هذا وإن لم يسلم لكنه أقر في كتابه أن هناك نبياً قد بقى، وكان المقوقس
نصرانياً.( انظر السيرة النبوية لابن هشام , والرحيق المختوم للمباركفوري )
ثانيا : مناقشة النصوص
( وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ) وكان الصواب أن يقول ( وأما أنتم
فترونه وتعرفونه ) ولما كان قد حذف الرؤية دل على أن المقصود بالرؤية المعرفة
الحقيقية، لا الرؤيا البصرية وهنا معناه " أن النبي إذا جاء لن يعرفه أهل العالم معرفة
حقيقية، بينما يعرفه التلاميذ معرفة حقيقية، لأن عندهم خبر عنه.
(وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ) قوله (مَاكِثٌ مَعَكُمْ) لا ينطبق على
الروح القدس، لأن الروح القدس على زعم النصارى ما كان قد نزل بعد، ولو كان هو
ماكث فلماذا وعدهم بنزوله عليهم ؟ ولو كان هو ماكث ما كان من داع أن يطلب من
الله أن يرسله ليمكث، وما كان يقول (إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي) وهذا القول من
أقوى الإشارات على بطلان قول النصارى بنزول الإله والمعنى الصحيح لهذا القول
تفسره الجملة التالية له وهى (وَيَكُونُ فِيكُمْ) أي : يكون مستقبلا وعلى ذلك فالمكث
يكون مستقبلا أيضا وقول المسيح عليه السلام (وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا
إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. 27وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ
أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الاِبْتِدَاءِ) هذا الكلام لا يصح انطباقه على الروح الإلهي، لأن الإله
لا يرسل إلها مثله، والمعنى أن هذا ( البيركليت ) سيأتي من عند ألآب وحده أي
سيرسل من الله وحده.
[8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ.] .
فكلمة ( يبكت ) جاءت بمعنى ( يفحم ) و ( أفحمه )، أسكته في خصومة أو غيرها
والمعنى: أن النبي الآتي سيكون من شأنه توبيخ العالم بحيث يفحمهم عن الرد عليه،
ولا يستطيعون مع هذا التوبيخ مناقضة كلامه، لكن من المقصود بالعالم ؟ يقول
النصارى " العالم اليهودي والأمم " ونقول معهم اليهود والأمم.
فهل لما نزل الروح الإله وبخ ( يبين مساوئ ) اليهود والأمم ؟.
[9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. ] وهذا لا ينطبق على الروح الإله لأن التلاميذ
ساعة نزوله على حد قولهم، كانوا مؤمنين بعيسى نبيا رسولا إنما ينطبق على نبي
الإسلام ص لأنه وبخ (يبين مساوئ ) اليهود في عدم إيمانهم برسالة عيسى عليه
السلام ووبخ غير اليهود الذين ألصقوا بعيسى صفة الربوبية، والذين أنكروه أصلا،
وأنكروا رسالات السماء.
[13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ
بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ.]
أي إذا جاء نبي الإسلام ص فإنه سيرشدكم إلى جميع الحق، والحق الذي عرفتكم به
وأنا معكم، سيذكركم به وحق سيأتي به من عند الله، هذا كله سيخبركم به، لأن الله هو
الذي سيوحي إليه، ولن يتكلم بشيء من تلقاء نفسه، والروح الإله لما نزل يوم
الخمسين لم يتكلم كلاما حقا أو باطلا.
وفى النهاية يشهد عيسى عليه السلام شهادة قيمة لنبي الإسلام ص بقوله:
[14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي ] إنه يعظم رسالتي ويعترف بفضلى وعلى ذلك فلا تحتقروا رسالته
ولا تنكروا فضله، بل أتبعوه وعظموه ومجدوه، كما يمجدني وهذا التمجيد منه لي
[لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ.].
إنه يأخذ من الله ما هو معد لي من علم الله، أي من نفس العلم الذي أخذت منه، ونسب
لي لأني أنا الذي أتكلم معكم.
كلانا في الهدف سواء، ومن هذا المصدر الذي أخذته منه، سوف يأخذ ويخبركم.
وأياً كان المعنى للبارقليط: أحمد أو المعزي فإن الأوصاف والمقدمات التي ذكرها
المسيح للبارقليط تمنع أن يكون المقصود به روح القدس، وتؤكد أنه كائن بشري
يعطيه الله النبوة. وذلك واضح من خلال التأمل في نصوص يوحنا عن البارقليط.
- فإن يوحنا استعمل في حديثه عن البارقليط أفعالاً حسية (الكلام، والسمع، والتوبيخ)
في قوله: " كل ما يسمع يتكلم به " وهذه الصفات لا تنطبق على الألسنة النارية التي
هبت على التلاميذ يوم الخمسين، إذ لم ينقل أن الألسنة النارية تكلمت يومذاك بشيء،
وأما الروح فغاية ما يصنعه إنما هو الإلهام القلبي، وأما الكلام فهو صفة بشرية، لا روحية.
وقد - ومن صفات الآتي أنه يجيء بعد ذهاب المسيح من الدنيا، فالمسيح وذلك
الرسول المعزي لا يجتمعان في الدنيا، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المعزى لا يمكن أن
يكون الروح القدس الذي أيد المسيح طيلة حياته، بينما المعزي لا يأتي الدنيا والمسيح
فيها " إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي".
وروح القدس سابق في الوجود على المسيح، وموجود في التلاميذ من قبل ذهاب
المسيح، فقد كان شاهداً عند خلق السماوات والأرض. (انظر التكوين 1/2)، وكان مع
بني إسرائيل طويلاً "أين الذي جعل في وسطهم روح قدسه" (إشعيا 63/11).
وكان لروح القدس دور في ولادة عيسى، حيث أن أمه " وجدت حبلى من الروح
القدس " (متى 1/18)، فدل ذلك على وجوده، كما اجتمعا سوياً يوم تعميد المسيح،
حين "نـزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لوقا 3/22)، وأعطاه
المسيح للتلاميذ قبل ذهابه حين قال لهم: " ولما قال هذا نفخ، وقال لهم: اقبلوا الروح
القدس" (يوحنا 20/22)، وحسب الرهبانية اليسوعية: "ونفخ فيهم، وقال: خذوا
الروح القدس".
وهكذا فالروح القدس موجود مع المسيح وقبله، وقد أعطي للتلاميذ ، وأما المعزي أو
الروح القدس القادم، فهو " إن لم أنطلق لا يأتيكم "، فهو ليس الروح القدس الذي
يتحدث عنه المسيحيون.
- ومما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع المسيح، والمسيح كان بشرا
وهو يقول عنه: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر"، وهنا يستخدم النص
اليوناني كلمة (allon) وهي تستخدم للدلالة على الآخر من نفس النوع، فيما تستخدم
كلمة (hetenos) للدلالة على آخر من نوع مغاير. وإذا قلنا إن المقصود من ذلك
رسول آخر أصبح كلامنا معقولاً، ونفتقد هذه المعقولية إذا قلنا: إن المقصود هو روح
القدس الآخر، لأن روح القدس واحد وغير متعدد.
- كما اوضح الكشف الاشعاعي عن المخطوطات السينائية ان اللفظ كان الروح فقط
وليس روح القدس.
- ثم إن الآتي عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلاميذ، لذا فإن المسيح يكثر من
الوصية بالإيمان به وأتباعه، فيقول لهم: " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي "،
ويقول: " قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنوا "، ويؤكد على صدقه فيقول: "
لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به".
وهذه الوصاة لا معنى لها إن كان الآتي هو الروح القدس، حيث نزل على شكل ألسنة
نارية، فكان أثرها في نفوسهم معرفتهم للغات مختلفة، فمثل هذا لا يحتاج إلى وصية
للإيمان به والتأكيد على صدقه، لأنه يقوم في القلب من غير حاجة لرده أو قدرة على
تكذيبه.
- كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث، وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون
التلاميذ مؤمنين به، فلم أوصاهم بالإيمان به؟
- وروح القدس وفق كلام النصارى إله مساو للآب في ألوهيته، وعليه فهو يقدر أن
يتكلم من عند نفسه، وروح الحق الآتي " لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم
به".
- ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط، فقد قال المسيح لهم: " إن لي أموراً
كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح
الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق "، فثمة أمور يخبر بها هذا النبي لا يستطيع
التلاميذ إدراكها، لأن البشرية لم تصل لحالة الرشد التام في فهم هذا الدين الكامل الذي
يشمل مناحي الحياة المختلفة، ومن غير المعقول أن تكون إدراكات التلاميذ قد اختلفت
خلال عشرة أيام من صعود المسيح إلى السماء، وليس في النصوص ما يدل على مثل
هذا التغيير.
بل إن النصارى ينقلون عنهم أنهم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيراً من أحكام
الشريعة وأحلوا المحرمات، فسقوط الأحكام عندهم أهون من زيادةٍ ما كانوا ليحتملوها
أو يطيقوها زمن المسيح. فالبارقليط يأتي بشريعة ذات أحكام تثقل على المكلفين
الضعفاء، كما قال الله: } إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً { (المزمل: 5).
- كما أن المسيح أخبر أنه قبل أن يأتي البارقليط ستقع أحداث هامة وبارزة "
سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله"،
وهذا الأمر إنما حصل بعد الخمسين، بل بعد قرون من رفع المسيح، فالنص لا يتحدث
عن اضطهاد الرومان أو اليهود لأتباع المسيح، وإنما يتحدث عن اضطهاد رجالات
الكنيسة لأتباع المسيح الموحدين، وهم - أي رجال الكهنوت - يظنون أنهم بذلك
يحسنون صنعاً، ويقدمون خدمة لله ودينه، فقررت مجامعهم طرد آريوس والموحدين،
وأخرجوهم من المجامع الكنسية ، وحكموا عليهم بالحرمان والاضطهاد، واستمر
الاضطهاد بأتباع المسيح حتى ندر الموحدون قبيل ظهور الإسلام.
- وذكر يوحنا أن المسيح خبّر تلاميذه بأوصاف البارقليط، والتي لم تتمثل بالروح
القدس الحال على التلاميذ يوم الخمسين، فهو شاهد تنضاف شهادته إلى شهادة
التلاميذ في المسيح " فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً " فأين شهد الروح القدس
للمسيح؟ وبم شهد؟
بينا نجد أن رسول الله شهد للمسيح بالبراءة من الكفر وادعاء الألوهية والبنوة لله،
كما شهد ببراءة أمه مما رماها به اليهود } وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً
{(النساء: 156).
- وأخبر المسيح عن تمجيد الآتي له، فقال: "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي
ويخبركم" ولم يمجد المسـيح أحد ظـهر بعده كما مجده نبي الإسلام ، فقد أثنى عليه،
وبيّن فضله على سائر العالمين.
في حين أنه لم ينقل لنا أي من أسفار العهد الجديد أن روح القدس أثنى على المسيح
أو مجده يوم الخمسين، حين نزل على شكل ألسنة نارية.
- وأخبر المسيح أن البارقليط يمكث إلى الأبد، أي دينه وشريعته، بينا نجد أن ما أعطيه
التلاميذ من قدرات يوم الخمسين - إن صح - اختفت بوفاتهم، ولم ينقل مثله عن
رجالات الكنيسة بعدهم. وأما رسولنا فيمكث إلى الأبد بهديه ورسالته، وإذ لا نبي
بعده ولا رسالة.
- كما أن البارقليط " يذكركم بكل ما قلته لكم " وليس من حاجة بعد رفعه بعشرة أيام
إلى مثل هذا التذكير، ولم ينقل العهد الجديد أن روح القدس ذكرهم بشيء، بل إنا نجد
كتاباتهم ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل التي
يذكرها غيره، بينما ذكر رسول الله بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر الله التي
أنزلها على أنبيائه ومنهم المسيح عليه السلام.
- والبارقليط له مهمات لم يقم بها الروح القدس يوم الخمسين فهو " متى جاء ذاك
يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة " ولم يوبخ الروح القدس أحداً يوم
الخمسين، بل هذا هو صنيع رسول الله مع البشرية الكافرة.
ويرى عبد الأحد داود أن التوبيخ على البر قد فسره المسيح بقوله بعده: " وأما على
بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني "، ومعناه أنه سيوبخ القائلين بصلبه، المنكرين
لنجاته من كيد أعدائه، وقد أخبرهم أنه سيطلبونه ولن يجدوه، لأنه سيصعد إلى
السماء، " يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث
أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن ..." (يوحنا 13/32).
كما سيوبخ النبي الآتي الشيطان ويدينه بما يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة
فلأن رئيس هذا العالم قد دين".
وصفة التوبيخ لا تناسب من سمي بالمعزي، وقيل بأنه جاء إلى التلاميذ يعزيهم بفقد
سيدهم ونبيهم.
ثم العزاء إنما يكون في المصائب، والمسيح كان يبشرهم بذهابه ومجيء الآتي بعده.
كما أن العزاء إنما يكون حين المصيبة وبعدها بقليل، وليس بعد عشرة أيام (موعد
نزول الروح القدس على التلاميذ)، ثم لماذا لم يقدم المعزي القادم العزاء لأم المسيح،
فقد كانت أولى به.
ثم لا يجوز للنصارى أن يعتبروا قتل المسيح على الصليب مصيبة تستوجب العزاء، إذ
هو برأيهم سبب الخلاص والسعادة الأبدية للبشرية، فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة،
وإصرار النصارى على أن التلاميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء
والخلاص.
ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط، فكل صفات البارقليط
صفات لنبي يأتي بعد عيسى، وهو النبي الذي بشر به موسى عليه السلام، فالبارقليط
" لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به "، وكذا الذي بشر به موسى " أجعل
كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به "، وهو وصف النبي r كما قال الله } وما
ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى { (النجم: 3 - 5).
بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد في القرآن والسنة تقول بأن الرسول هو
صاحب هذه النبوءة، إذ هو الشاهد للمسيح، وهو المخبر بالغيوب، الذي لا نبي بعده،
وقد ارتضى الله دينه إلى قيام الساعة ديناً..
اعتراضات القس فندر وردود العلامة الهندي عليها
ويثير القس فندر في وجه المسلمين أسئلة يراها تمنع من صرف البارقليط إلى النبي
محمد
أولها: أنه ورد في البارقليط أنه روح الحق ثلاث مرات، وفي مرة رابعة ورد أنه روح
القدس وهي كما يقول القس فندر ألفاظ مترادفة تدل على الروح القدس.
والعلامة رحمة الله الهندي في كتابه العظيم "إظهار الحق" يسلم بترادف هذه الألفاظ،
ويؤكد أن لفظة (روح الله) دالة على الأنبياء أيضاً، كما جاء في رسالة يوحنا الأولى:
"فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل
هي من عند الله أم لا ؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم " ( يوحنا
(1) 4/1-2 )، فالأنبياء الصادقون هم روح الله، والأنبياء الكذبة هم روح الشيطان.
وبين يوحنا كيفية معرفة روح الحق من روح الضلال، أي معرفة الأنبياء الصادقين
وتمييزهم عن الأنبياء الكذبة، فقال: " بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع
المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه
قد جاء في الجسد فليس من الله، وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي،
والآن هو في العالم" (يوحنا (1) 4/2 - 6).
ورسولنا هو روح الحق بدليل قول يوحنا، لأنه يعترف بالمسيح أنه رسول من عند
الله، وأنه جسد، وأنه من الله كما سائر الناس هم من الله، أي أن الله خلقهم. وبولس
هو روح الضلال الذي يعتبر المسيح إلهاً، وهو الموجود في العالم حينذاك.
ثانيها: أن الخطاب في إنجيل يوحنا توجه للحواريين كما في قوله " يعلمكم " و "
أرسله إليكم".... وعليه فينبغي أن يوجد البارقليط في زمنهم.
ويمنع رحمة الله الهندي هذا الفهم، بل المراد: النصارى بعدهم. وأقامهم المسيح مقام
التلاميذ، وهو أمر معهود في أسفار العهد الجديد، فقد جاء في متى في خطاب رؤساء
الكهنة والشيوخ والمجمع " أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين
القوة، وآتياً على سحاب السماء" (متى 26/64)، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم
يروه آتياً على سحاب السماء.
ومثله قول المسيح: "وقال له: الحق الحق أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة،
وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يوحنا 1/51).
ثالثها: أن البارقليط لا يراه العالم ولا يعرفه، فقد جاء "لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه
لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم" بينما محمد r
قد عرفه الناس ورأوه.
ويرد العلامة رحمة الله الهندي بأن هذا ليس بشيء، لأن روح القدس عندهم هو الله
أو روح الله، والعالم يعرف ربه أكثر من معرفته بمحمد، فهي لا تصدق على تأويلهم
بحال.
ويرى رحمة الله الهندي أن المقصود بالنص هو أن العالم لا يعرف هذا النبي المعرفة
الحقيقية (أي نبوته) أما أنتم واليهود فتعرفونه، لإخبار المسيح والأنبياء لكم عنه.
وأما سائر الناس فهم كما قال المسيح: " لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا
يسمعون ولا يفهمون " (متى 13/13).
وليس المقصود بقوله: " لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم
فتعرفونه لأنه ماكث معكم" ليس مقصوداً الرؤية البصرية والمعرفة الحسية، بل
المعرفة الإيمانية. ومثله ما جاء في يوحنا "أجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا، ولا أبي،
لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً" (يوحنا 8/19) ومثله في الأناجيل كثير. يقول متى
هنري في تفسيره لإنجيل يوحنا: إن كلمة (يرى) في النص اليوناني لا تفيد رؤية العين،
بل رؤية البصيرة.
ولربما كان عدم معرفتهم بالمنتظر القادم أنه غريب وليس من اليهود " وأما المسيح
فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو" (يوحنا 7/27).
رابعها: جاء في وصف البارقليط أنه " مقيم عندكم وثابت فيكم"، فدل - حسب رأي
القس فندر - على وجوده مع الحواريين، ولا يصدق هذا على محمد .
ويرى رحمة الله الهندي أن النص في تراجم وطبعات أخرى: " مستقر معكم وسيكون
فيكم"، وفي غيرها: " ماكث معكم ويكون فيكم ".
والمعنى في ذلك كله الاستقبال وليس الآنية، بمعنى أنه سيقيم عندكم أو يمكث عندكم.
ذلك أن النص دل على ذلك، فهو يقول بعدم وجوده بينهم ذلك الوقت " قد قلت لكم قبل
أن يكون، حتى متى إذا كان تؤمنوا "، و " إن لم أنطلق لم يأتكم البارقليط ". وهو ما
يقوله النصارى حين يؤمنون أن مجيئه وحلوله كان في يوم الخمسين.
ومثله أخبر حزقيال عن خروج يأجوج ومأجوج بصيغة الحاضر، وهم لم يخرجوا بعد
فقال: "ها هو قد جاء وصار، يقول الرب: هذا هو اليوم الذي قلت عنه " (حزقيال
39/8)، ومثله في (يوحنا 5/25).
خامسها: جاء في كتاب الأعمال: " وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من
أورشليم بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني، لأن يوحنا عمد الماء، وأما أنتم
فستتعمدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير " (أعمال 1/4 - 5)، ويرى
فندر أن هذا " يدل على أن بارقليط هو الروح النازل يوم الدار، لأن المراد بموعد
الآب هو بارقليط ".
وفي رده يبين رحمة الله الهندي أن ما جاء في الأعمال وعد آخر لا علاقة له
بالبارقليط الذي تحدث عنه يوحنا فحسب، فقد وعدوا بمجيء الروح القدس في وعد
آخر، وتحقق الموعود بما ذكر لوقا في الأعمال. أما ما ذكره يوحنا عن مجيء
البارقليط فلا صلة له بهذه المسألة.
كما اعترض آخرون من النصارى على انطباق هذه النبوءة على نبينا لأن البارقليط
سيرسله المسيح " ولكن إن ذهبت أرسله إليكم"، ومثله في قوله: "المعزي الذي
سأرسله أنا إليكم من الآب"، في حين أن محمداً رسول الله لا المسيح.
وقد تغافل القائل عن قول الله: "المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب"، فهو
رسول الآب، ونسبة الإرسال إلى المسيح مجازية غير حقيقية، ومثلها في قوله : "
قال لها ملاك الرب: تكثيراً أكثر نسلك، فلا يعد من الكثرة " (التكوين 16/10)، والمكثِّر
المبارك لنسل هاجر وغيرها هو الله، وليس ملاكه، لكن لما كان الملاك هو واسطة
الإخبار نسب الفعل إلى نفسه.
ونحو هذا الصنيع وقع في سفر الملوك، فقد نسب النبي إيليا إلى نفسه العقوبة الإلهية
التي سيعاقب بها الربُ الملكَ اخآب، فقد " قال اخآب لايليا: هل وجدتني يا عدوي؟
فقال: قد وجدتك، لأنك قد بعتَ نفسك لعمل الشر في عيني الرب، هانذا أجلب عليك
شراً، وأبيد نسلك، وأقطع لاخآب كل بائل بحائط ومحجوز ومطلق في إسرائيل"
(الملوك (1) 21/20-21)، فقد نسب النبي إيليا إلى نفسه ما هو في الحقيقة صنيع الله
وعقوبته، وهذه النسبة غير حقيقية، ولكنه استحقها لكونه المبلِغ عن الله لهذه
العقوبة.
ومثله سواء بسواء ما قاله المسيح في نبوءته عن البارقليط.
وبذلك فإننا نرى في البارقليط النبوءة التي ذكرها القرآن الكريم } وإذ قال عيسى بن
مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً
برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد { (الصف: 6).
================================================== ======
المراجع
================================================== ======
التوارة والانجيل والقرآن والعلم - د.موريس بوكاي - ترجمة الشيخ حسن خالد مفتي لبنان - دار المكتب الاسلامي - الطبعة الثالثة 1990.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ - د.منقذ بن محمود السقار.
محمد صلى الله عليه وسلم كما وَرَدَ في كتب اليهود والنصارى - البروفيسور . عبد الأحد داوود - ترجمة محمد فاروق - مكتبة العبيكان السعودية - الطبعة الأولى 1997.
الباركليت - اعداد الباحث . زهدي جمال الدين سليمان.
بشارة أحمد في الإنجيل تأليف محمد الحسينى الريس , مقدمة مراجعة و تعليق
فضيلة الشيخ / معوض عوض إبراهيم, فضيلة الشيخ / الحسينى مصطفى الريس
من علماء الأزهر .
مجموعة كتب : مكتبة ديد ات - المختار الاسلامي.
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى , تأليف الامام ابن قيّم الجوزية .
الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح - شيخ الاسلام ابن تيمّية الحراني - دار العاصمة للنشر والتوزيع.
اظهار الحق - الشيخ العلّامة رحمة الله الهندي - الرئاسة العامة لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد , وكالة الطباعة والترجمة - الرياض - المملكة العربية السعودية - الطبعة الأولى 1992م .
مناظرة بين الاسلام والنصرانية - الرئاسة العامة لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد , وكالة الطباعة والترجمة - الرياض - المملكة العربية السعودية - الطبعة الأولى 1992م.
kul Hpl] l,[,]m td hghk[dg hgfhvrgd' ,hg[,hf kihzd
المفضلات