اسمعوا اخر تخاريف المدعو جمال البنا من جريدة المصري اليوم :
وجهت مدرسة «دى لا سال» دعوة لى وللأب وليم اليسوعى لمشاهدة فيلم «حسن ومرقص» والتعليق عليه.
قلت: إن الفنان قدم رؤيته فى هذه القضية، ولا أستطيع أن أعلق عليها لأنى لست ناقداً سينمائياً، ولأن العمل السينمائى مرتبط بضرورات تفرض نفسها عليه بحيث تحول دون إظهار الفكرة خالصة مجردة، ولكنى سأقدم رؤيتين فى أولاهما يكون حسن هو مرقص ومرقص هو حسن وتنتفى الحاجة لتنكر المسيحى فى شكل مسلم والمسلم فى شكل مسيحى، وفى الرؤية الثانية يكون حسن المسلم أخاً لمرقص المسيحى.
وهاتان الرؤيتان اللتان قد تبدوان للوهلة الأولى نوعا من الخلط لهما أساسهما النظرى الدينى الذى لا يختلف فيه اثنان. بالنسبة للرؤية الأولى فإن الأديان إنما تتميز عن بقية النظريات والمذاهب والفلسفات، بأنها تقوم على فكرة الإله، فمحور الأديان ـ وواسطة عقدها ـ هو فكرة الله، وبالنسبة لله تعالى فلا أحد يتصور أن هناك إلها خصوصيا أو «ملاكى» تعالى الله عن ذلك ـ وإن كنا نجد هذا التصور عند اليهود وإلههم الخاص، كما أنه من العسير أن يضع أناس شروطهم الخاصة للإله، لأن الله هو الذى خلقهم وجبلهم،
وبالتالى فلا يمكن أن يفرضوا تصورهم عليه، فالله هو خالق هذا الكون كله، وهو إله البشر جميعاً، وهو الله بالنسبة للمسلمين واليهود والمسيحيين والبوذيين.. إلخ، فليس هناك إله خاص للمسيحيين وإله آخر للمسلمين وإله ثالث للبوذيين واليهود..إلخ.
إن الجميع يوقنون بهذا ولكنهم لا يفكرون فيما يعنيه هذا، وما يستتبعه من نتائج، فإذا كان الله إلهاً للمسلمين وللمسيحيين وللبوذيين.. إلخ، فإن أحداً من هؤلاء لا يمكن أن يفر من الله إلا إلى الله حتى وإن تقمص واحد القبعة ووضع آخر العمامة.
وننتهى إلى نتيجة هى أنهم يؤمنون جميعاً ـ وعلى سواء ـ بإله واحد، فإدا كان الأمر كذلك فإذا غير مسيحى دينه إلى الإسلام أو تنصر مسلم فإن ذلك لا يمس الأساس الأعظم للديانات جميعاً، وهو الإيمان بالله، فالله تعالى هو وحده إلههم جميعاً،
وبهذا يمكن أن يكون حسن هو مرقص ومرقص هو حسن، فالأسماء لا تهم مادام الجميع يؤمنون بإله واحد، ولعل الآية القرآنية تلقى نوراً «وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» «العنكبوت: ٤٦»، وأعتقد أن هذا هو السر فى أن القرآن لم يقرر حداً للردة، لأن هؤلاء المرتدين لم يفروا من الله إلا إلى الله،
ولهذا أيضاً فتح الباب على مصراعيه للإيمان والكفر «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» «الكهف: ٢٩»، وكذلك «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» «البقرة:٦٢»، إن هذه الآية لم تشترط إلا الإيمان بالله وعملاً صالحاً حتى يكون لهم أجرهم وهم لا يحزنون، ومناط الحكم هو الإيمان بالله والعمل الصالح، وهذا ما يفترض فى حسن ومرقص وآخرين أيضاً على اختلاف أديانهم.
سيقولون إن الصورة التى تقدمها المسيحية لله تختلف عن الصورة التى يقدمها الإسلام لله، فهل هذا يمس ذات الله تعالي؟ هذا الاختلاف لا يرقى أبداً لأن يؤثر أو ينال من الأصل والأساس، وهو أن الله واحد وأنه إله الجميع وأنه هو الذى خلق البشر جميعاً، وأنه يمثل أمامه عبدان من عباده لا يفرق بينهما إلا الأسماء، ولا تنال منهما ما أضفته المؤسسات الدينية من فروق، ويمكن تماماً أن يكون حسن ومرقص شخصاً واحداً، لأن عناصر الاختلاف لا ترقى ولا تغير الأساس الأعظم الجامع لهما وهو الإيمان بالله.
والمفروض أن الله تعالى هو الذى يصنع الأديان وليس العكس، فالأديان لا تصنع الله، وهذه هى القضية المهمة، وهى فى الوقت نفسه محل إيمان الأديان نفسها حتى عندما تتحيف على فكرة الله. وفى النهاية نجد أنه لا تفرقة بين حسن ومرقص فى الحقيقة لأنهما يعبدان إلهاً واحداً واختلاف الأسماء لا يغير شيئاً.
وقد بسطت هذه الفكرة فى مقالات ثلاث نشرت بتاريخ ٢٧/٢ و ٥/٣ و ١٢/٣/٢٠٠٨ فى جريدة «المصرى اليوم» بعنوان «الأديان لا ينسخ بعضها بعضاً، ولكن يكمل بعضها بعضاً» وأثبتناها فى أحد الكتيبات.
فإذا كانت استساغة هذه الرؤية أمراً عسيراً لأن العوامل الطارئة جعلت الأديان تعطى هذه العوامل من الأهمية ما ليس لها وما لا يعد شيئاً أمام الأصل العظيم وهو وحدة الله فيمكن أن نأخذ بالرؤية الثانية بحيث يكون حسن أخاً لمرقص ويكون مرقص أخاً لحسن، كما أنها يمكن أن تسمح بظهور كوهين أيضاً، كما كان النص الأول فى فيلم حسن ومرقص وكوهين الذى أخرج قبل ٢٣ يوليو.
تقوم هذه الرؤية على أن الأديان الإبراهيمية الثلاث «اليهودية والمسيحية والإسلام» تعود إلى أب واحد هو إبراهيم الذى ولد فى «أور» العراق ثم سافر هو وزوجته إلى مصر، وهناك اتخذت سارة جارية مصرية لها تدعى هاجر، وعندما عادا اقترحت سارة أن يتزوج بهاجر حتى تنجب، وكانت قضية إنجاب الذكور قضية مقدسة وقتئذ، وكانت سارة عقيماً، وتزوج إبراهيم من هاجر التى أنجبت له إسماعيل وبعد إنجاب إسماعيل اقتضت مشيئة الله أن تلد سارة ولدها إسحاق ومن إسحاق جاء يعقوب، وهو الذى تطلق عليه بعض التعبيرات إسرائيل.
وعندما أنجبت سارة ابنها يعقوب صاحت بزوجها إبراهيم «أبعد عنى هذه الجارية، لا يشترك ابنها فى ميراث ابنى»، فأخذ إبراهيم هاجر وابنهما وذهب بهما إلى الحجاز ليحقق ما أراده الله، لأن يظهر إسماعيل فى الحجاز وأن يتزوج من قبيلة «جرهم» ليبدأ النسل الذى انتهى بمحمد رسول الإسلام.
وتآمر أبناء يعقوب على أخيهم غير الشقيق، يوسف، والذى كان أبوه يحبه حباً جماً فباعوه لقافلة مسافرة إلى مصر، وشغل يوسف منصباً رفيعاً عندما فسر للحاكم حلماً غريباً عن سبع بقرات نحاف يأكلن سبع بقرات سماناً، وأولها يوسف بأن قحلاً سيحدث فى مصر وسيستمر لسبع سنين، وأن على الملك أن يستعد له باختزان الأقوات، وتكرر ليعقوب ما حدث لإبراهيم، إذ حدث قحل فأرسل يعقوب بعض أبنائه ليمتاروا،
وعندما جاء إخوة يوسف عرفهم ولم يعرفوه، وصفح عنهم وأمرهم بالحضور إلى مصر، وهكذا جاء يعقوب وكل أبنائه من بنى إسرائيل وأقاموا بمصر وكانوا محل ترحيب المصريين، ولكن المصريين ضاقوا بهم عندما كثر عددهم واستخدموهم فى بناء المعابد ونقل الأحجار.. إلخ،
إلى أن ظهر فيهم موسى، ومع أنه نشأ فى فترة الاضطهاد، فى البيت الملكى الفرعونى وشب كنبيل فرعونى إلا أنه تبنى قضية تحرير بنى إسرائيل وانتقالهم إلى فلسطين حيث عاش اليهود فترة ظهر خلالها فيهم عيسى رسولاً من الله ليهدى خراف بنى إسرائيل الضالة بالمسيحية التى أعلنت أن الله محبة وأن السماحة هى شرعتها.
وهكذا نجد أن الديانات الأبراهيمية الثلاث لها أب واحد هو إبراهيم وهو أب إسماعيل الجد الأعلى لرسول الإسلام، كما أنه هو جد يعقوب، ومن آل يعقوب «بنى إسرائيل» ظهر عيسى.
محمد وموسى وعيسى أبناء إبراهيم حتى وإن كانت أمهاتهم شتى «هاجر وسارة ومريم»، وهذا هو سر كلمة الرسول أن الأنبياء أخوة عيلات، بمعنى أن آباءهم واحد وأمهاتهم شتى، وكل ما يمكن أن يقال أن حسن أخ غير شقيق لمرقص ومرقص أخ غير شقيق لحسن ويمكن أن يضاف إليهم كوهين أيضاً. فى هذه الحالة نجد أن حسن ومرقص وكوهين أخوة،
وبالتالى فليسوا فى حاجة للتنكر، لأن علاقة الأخوة ترفض هذا وتجعل لكل واحد وجوداً متميزاً، ولكن داخل إطار الأسرة الواحدة.
هاتان رؤيتان يمكن أن ينتهى إليهما كل مفكر دينى حين يخلص من الخصوصيات التى وضعتها الأديان، ومن مشاغبات المؤسسات الدينية التى احتكرت كل واحدة منها ديناً وأصبحت بمثابة المحامى الذى ليس له من هدف إلا الدفاع عن موكله بالذات، حتى وإن تتطلب الأمر أن ينتقص من الآخر لحساب موكله.
ونحن كمسلمين نرى أن كل المعاصى لا تنقص من الله، كما أن تقوى كل التقاة لا يمكن أن تزيد فى الله، وبالتالى فإن المفكر الإسلامى الحر لا يعطى هذه الخصوصيات والمشاغبات أكثر من حقها وينظر إلى حسن ومرقص وكوهين كأخوة فى أسرة واحدة، ولا تنقص شيئاً من رحمته وحكمته،
ومن ثم فإنه لا يعطيها أكثر من حقها، ويظل حسن ومرقص وكوهين أخوة، أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، وهم جميعاً عباد لله يحكم عليهم الله يوم القيامة: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد» «الحج:١٧»
http://www.almasry-alyoum.com/articl...3&IssueID=1201:menokia77:
uk]lh d;,k psk i, lvrw ,lvrw i, psk>> H, d;,k psk ,lvrw Ho,dk
المفضلات