من المستقبل إلى الماضي , و من السماء إلى الأرض :
في الفترة ما بين عهد الماكابيين و بين حرب باركوخبا ( 160ق.م ــ 135 تقريبا ) كانت مشاعر الفرق اليهودية , المتزايدة في جذريتها , تتغذى على مجئ مقاتل /كاهن منتظر
( أو ربما مقاتل و كاهن ) يقود شعب إسرائيل إلى النصر المظفر . كان هذا الإنتظار لشخص في المستقبل الحتمي , متحدر من داود أو حتى من نسب إلهي , لكنه بشري من جميع النواحي الأخرى.
لم يكن يضارع هذا الإنتظار/الأمل في ضخامته سوى الفظائع الشنيعة التي إرتكبت في
69ــ 73 و 114 ــ 117 و 132 ــ 135 , و التي , على الترتيب :
1 ـــ دمرت الهيكل , و دمرت كهنوته , و دمرت مدينة أورشليم , و دمرت "الإقتصاد المعبدي" اليهودي .
2 ـــ دمرت , و أفقرت , و استعبدت , و أثبطت همة يهود الشتات
3 ـــ دمرت عشرات المدن و مئات القرى في كل مقاطعة فلسطين , و قلصت عدد السكان اليهود وقادت عشرات الألآف منهم إلى العبودية .
إذا ما أخذنا كل هذا في الإعتبار , فلا ينبغي لنا أن نربط مرقس في أذهاننا بــ"اضطهادات نيرون للمسيحيين " الزائفة ( و هي الحجج المفضلة لدى الكتاب المسيحيين ) - بل بالمعاناة الحقيقية جدا لكل الشعب اليهودي . إن الدين اليهودي نفسه كان ملتصقا إلى الحائط , و ضعف موقفه كان مكشوفا .
كان إله العبرانيين يعاقب شعبه المختار دائما لأنهم كانوا يخذلونه : لم يكونوا يتبعون الناموس . لكن اليهود كانوا دائما يعودون إلى الإستقامة , ثم لا يلبثوا أن يعودا للضلال مرة أخرى . و لكن في سنة 135 مسحت اليهودية من الخارطة و تشتت الشعب .
إن قلب المشكلة بالنسبة إلى أي فرد يهودي هو أن " العهد " كان بين إله اليهود و بين كل شعب إسرائيل . الكل يجب عليه أن يحافظ على الإستقامة , فأخطاء تفاحة فاسدة واحدة تجلب الخطر على كل الشعب .
مع الكارثة الأخيرة لسنة 135 لم يعد لاهوت "الخلاص الوطني" ( أو لا خلاص على الإطلاق) يعطي أملا للكثير من اليهود المحبطين . و كما قال يوسفوس , كان الإله في جانب الرومان . و مع أن يوسفوس ظل على يهوديته لكنه كان يتحجج بأن القياصرة هم آداة عقاب بيد الإله
لكن لا شك في أن الكثير من اليهود القانطين إرتدوا عن ديانتهم , و اعتنقوا ديانات وثنية .
و عند هذه النقطة المنخفظة , خلقت الحاجة إلى فحص جذري للإيمان اليهودي , قد يهلك شعب إسرائيل , و لكن ألا يمكن إيجاد ممر للأتقياء لإنقاذ أنفسهم ؟ و الإجابة كانت عهدا جديدا بين الفرد و ربه , من أجل مسلك للخلاص الشخصي , شبيه بذلك الذي تعرضه أسرار الديانات الوثنية .
و ماذا الآن ؟
فيما كانت فرق اليهود المشتة و اليائسة تتصارع مع المشكلة , لا بد و أنهم سألوا " كيف خذلتهم النصوص الدينية إلى هذه الدرجة الشديدة الإنحطاط ؟ "
بدلا من الشك في صدق نصوص الأسلاف نفسها , و لكي يضمنوا دورهم المستقبلي , تشاور الكهنة فيما بينهم و وصلوا إلى إستنتاج أن الخلل ليس في النصوص , بل في اليهود انفسهم .
كتلميح عن النبؤة, فالمسيح كان فعلا قد جاء ـ لكن الشعب اليهودي ـ اليهود بمجملهم ـ فشلوا في التعرف إليه !! و النتيجة أن الإله يهوه الغضوب عاقبهم بقسوة لم يعاقبهم بها من قبل .
أصبحت الكارثة الآن معقولة . و يمكن ان يرجع الأمل , إذا عبد المستقيمون هذا المسيح السابق , و أن الفرد يستطيع على الأقل ان يضمن مكانا في "إسرائيل الجديدة " .
بعد ان حزم الأمر على اللاهوت , برزت الإسئلة بالطبع " من كان المسيح المفقود ؟" و "لماذا لم يتم التعرف إليه ؟" .
هنا قدمت معان جديدة , مقتطعة من الكتابات القديمة , الجواب . جاء المسيح متنكرا , و كان يخفي مسيحانيته .(1 )
إحتاج اللاهوت الجديد إلى أن يتم نسجه في قصة مقنعة , قصة يمكن قراءتها جهرا على مسامع مجموعات اليهود المكتئبين .
و منذ لحظة إتخاذ الكهنة المسيحيين الأولين الإقتناع بان المسيح جاء و مضى , جرى البحث و التفتيش للتعرف على المخلص المفقود . إن سجلات الهيكل و أشياء كثيرة اخرى كانت قد فقدت خلال الحروب ( بعضها بالطبع , تم إخفائها بسرية في جرار بعيدا في قمران , لتكتشف بعد عشرين قرن ) . لكن مقتطفات من قصص بالكاد يمكن تذكرها و المعين الغزير للميثولوجيا الوثنية سوف تأتي بالتفاصيل المفقودة . و إذا كانت رسائل الحاخام شاول ( بولس فيما بعد ) في المتناول بأي حال , فإنها ساهمت فقط بالفكرة الغنوسطية بخصوص أن المسيح القائم من الموت يحكم مملكة في السماء و أنه قوة روحانية إلهية ستهبط على سحابة في نهاية الزمن ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الهامش (1)
مرقس 8 : 27- 30 { 27 ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس.وفي الطريق سأل تلاميذه قائلا لهم من يقول الناس اني انا. 28 فاجابوا.يوحنا المعمدان.وآخرون ايليا.وآخرون واحد من الانبياء. 29 فقال لهم وانتم من تقولون اني انا.فاجاب بطرس وقال له انت المسيح. 30 فانتهرهم كي لا يقولوا لاحد عنه }
لوقا 9 : 18-21 { 18 وفيما هو يصلّي على انفراد كان التلاميذ معه.فسألهم قائلا من تقول الجموع اني انا. 19 فاجابوا وقالوا يوحنا المعمدان.وآخرون ايليا.وآخرون ان نبيا من القدماء قام. 20 فقال لهم وانتم من تقولون اني انا.فاجاب بطرس وقال مسيح الله. 21 فانتهرهم واوصى ان لا يقولوا ذلك لاحد }
متى 16 : 13 -20 { 13 ولما جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلا من يقول الناس اني انا ابن الانسان. 14 فقالوا.قوم يوحنا المعمدان.وآخرون ايليا.وآخرون ارميا او واحد من الانبياء. 15 فقال لهم وانتم من تقولون اني انا. 16 فاجاب سمعان بطرس وقال انت هو المسيح ابن الله الحي. 17 فاجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا.ان لحما ودما لم يعلن لك لكن ابي الذي في السموات. 18 وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها. 19 وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات.فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطا في السموات.وكل ما تحله على الارض يكون محلولا في السموات. 20 حينئذ اوصى تلاميذه ان لا يقولوا لاحد انه يسوع المسيح }
__________________________________________________ __
إن قدوم المسيح بالنسبة للمسيحيين الأولين سيكون في مجيء ثان , و قد كانوا منهمكين في فبركة المجيء الأول .
ينهمك مؤلف مرقس جوهريا, في القصة التي ظهرت , في تاليف أكثر من خمسين قصة قصيرة جدا ( شفاءات و معجزات أساسا , من النوع المروي عن أبولونيوس) و يضعها بين حادثة مقتل يوحنا المعمدان ( الذي كان أتباعه خصوما جادون للمسيحيين الأولين ) و بين سياق موت المخلص ( من النوع المعزز رسميا بموت أنطينووس ) .
الـمـسـيـح الـمـفـقـود :
لحل الأحجية اللاهوتية عن " أن المسيح كان قد جاء , لكنه ذهب دون التعرف إليه " كان على مؤلف مرقس أن يجعل بطله يقوم بعدد لا نهائي من المعجزات , ثم يأمر الذين شفاهم و المشاهدين و التلاميذ و حتى الشياطين بأن يلزموا الصمت:
1 - 34 : { فشفى كثيرين كانوا مرضى بامراض مختلفة واخرج شياطين كثيرة ولم يدع الشياطين يتكلمون لانهم عرفوه }
1 - 44 : { وقال له انظر لا تقل لاحد شيئا بل اذهب أر نفسك للكاهن وقدّم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم }
3 - 12 : { واوصاهم كثيرا ان لا يظهروه }
5 - 43 : { فاوصاهم كثيرا ان لا يعلم احد بذلك.وقال ان تعطى لتأكل }
7 - 36 : { فاوصاهم ان لا يقولوا لاحد..........}
8 - 26 : { فارسله الى بيته قائلا لا تدخل القرية ولا تقل لاحد في القرية }
8 - 30 : { فانتهرهم كي لا يقولوا لاحد عنه }
9 - 9 : { وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم ان لا يحدثوا احد بما ابصروا الا متى قام ابن الانسان من الاموات }
إن الذي أتى بــالكلمة يطلب منهم أن يسكتوا عنها . بالطبع هذا الكلام يدخل تضاربا - فكل المدن شاهدت افعاله ! - لكن التضارب يتخلل آنئذ الكتاب المقدس بكامله .
إن رواية مرقس القصيرة هي عن شخص يعاني ( و اليهود كانوا يعانون ) , و تقود المؤمنين إلى مكان في مملكة الرب العاجلة القدوم .
يبدأ مؤلف انجيل مرقس في بناء يسوعه على أساس " الخادم الذي يعاني " كما في سفر إشعياء :1 - 15 :
{ ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالانجيل }
و الأمل بناء على ذلك هو إنتهاء الآلام المبرحة في القريب العاجل .
و لكن في إنجيل مرقس ( و هو أول الأناجيل ) , لا توجد شجرة نسب يسوع , و لا توجد نجمة , و لا مهرجان ميلاد مهيب . و لا ذكر لبيت لحم . و مريم لم تذكر بالأسم سوى مرة واحده ( في استقطاب تال , على الأرجح ) و لا ذكر ليوسف على الإطلاق .
و في الواقع , يتبرأ يسوع من عائلته { 31 فجاءت حينئذ اخوته وامه ووقفوا خارجا وارسلوا اليه يدعونه. 32 وكان الجمع جالسا حوله فقالوا له هوذا امك واخوتك خارجا يطلبونك. 33 فاجابهم قائلا من امي واخوتي. 34 ثم نظر حوله الى الجالسين وقال ها امي واخوتي. 35 لان من يصنع مشيئة الله هو اخي واختي وامي } و هم بدورهم يعتقدون أنه قد أصيب بالجنون { ولما سمع اقرباؤه خرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه مختل. }
هذه من الصعب ان تكون مريم التي زارها الملاك " و ابتهجت باعمال عظيمة عملت لها " عندما استلمت حملها الإلهي !! لا ذكر في مرقس لقصة هروب إلى مصر , و لا مجزرة للأطفال , و لا قصة يسوع ذي الأثنى عشرة سنة في الهيكل . لا شيء من كل ذلك كان قد كتب بعد .
كما أن مؤلف مرقس لم يجعل يسوع كائنا كاملا , مثلما يرد في الأناجيل اللاحقة . فبطله هو " إبن الإله " لكنه مع ذلك ذو صفات بشرية , فيسوعه يظهر
حـــزيـــنـــا : { فقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت.امكثوا هنا واسهروا }
خــائــب الأمــل { فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية.الحق اقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية }
مـــســـتـــاء : { 14 فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم دعوا الاولاد يأتون اليّ ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت الله. }
غـــضـــوبـــا : { وجاءوا الى اورشليم.ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. 16 ولم يدع احد يجتاز الهيكل بمتاع. .. }
مــنــدهـــــش : { وتعجب من عدم ايمانهم.وصار يطوف القرى المحيطة يعلم }
و مــنــهـــــك : { وكان هو في المؤخر على وسادة نائما.فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك اننا نهلك. }
..و في الناصرة لم يكن قادرا على القيام بقوة واحدة , لأنهم لم يكونوا يصدقونه .
و كــ"حمامة " هبط الروح القدس عليه عند تعميده , أي قبل ذلك من المفترض أنه كان مجرد انسان .
النصف الأول من إنجيل مرقس ( الإصحاحات 1-9) هو كاتلوج لمعجزات و طرد شياطين , يتسم معظمها بالتكرار ( يستخدم المؤلف كلمة " للوقت " أكثر من أربعين مرة ) بالإضافة إلى حزمة كاملة من أمثال لا تصلح إلا لزيادة حيرة و ارتباك تابعيه .
بعد ذلك , يتخذ مؤلف مرقس منعطفا مسرحيا اكبر و يجعل بطله يسوع " ينقلب" إلى شخص متوهج اللمعان على قمة جبل , حيث يخاطب من صوت في سحابة يؤكد على إنه إبن الإله . ثم يواصل يسوع دوره كطارد شياطين متجول في طريقه إلى أورشليم .
يأتي بعد ذلك إصحاح عجيب عن " نهاية الزمن " ( الإصحاح 13) : و السؤال , مالداعي لهذه النبؤة فوق كل شيء ؟
كان من المعروف على نحو شائع أن يسوع بن أنانيا , قام في سنة 62 م بمثل هذه النبؤة " الصحيحة " ( كما سجل جوزيفوس فلافيوس سنة 79) . و كان مؤلف إنجيل مرقس يريد لبطله أن لا يقل موهبة في التنبؤ , لذا أخذ المثال الأكثر شهرة عن نبؤة ناجحة في زمنه , و اعاد صياغته.
تأجيل نهاية الزمن
استمرت الدنيا , على الرغم من دمار الهيكل , لذا جعل مؤلف مرقس يسوع يقول : " ولكن ليس المنتهى بعد." ( 13 : 7 ) . لقد اسقط مؤلف مرقس من حسابه ان دمار الحرب اليهودية الأولى كان قد اشار إلى " نهاية الزمن " ـــ ما يدل على انه كان يكتب بعد حرب 66م -70 بزمن طويل . و على نحو ذائع يقول الإله البشري : " .. فاذا سمعتم بحروب واخبار حروب .. " و هذا ما يغطي بشكل رائع كل التمردات اللاحقة للعقود الباكرة من القرن الميلادي الثاني .
إن كل هذه " النبؤة " المعروفه .باسم " الرؤية الصغيرة " يتوافق بصورة أجود مع وقت لاحق . و المعلومات الموثقة عن ذلك هي:
1 - مسحاء كذبة ( مزيفون )
لانه سيقوم مسحاء كذبة وانبياء كذبة ويعطون آيات وعجائب لكي يضلوا لو امكن المختارين ايضا ( 13 : 22 )
تنطبق هذه الإشارة على شمعون بن كوزبا ( المنذر باركوخبا , او إبن النجمة بعد التلاعب باللفظ من قبل أتباعه ) أكثر من إنطباقها على أي " نبي مزيف" آخر . فالكثيرون بالإضافة إليه هو نفسه كانوا يعتبرونه المسيح , و بمباركة من رئيس الكهنة الحبر الأعظم إستطاع بار كوخبا أن يقود الحرب ضد روما 132 - 136 , و يقال عنه أنه كان ينفث اللهب من فمه -و هي حيلة لا تحتاج إلى مهارة فائقة .
الباقي من إنجيل مرقس يتناول قصة الصلب . لكنه و بصورة غريبة ينتهي على نحو مفاجيء
و دون أي مشهد عن يسوع القائم من الأموات . ! إمرأتان خائفتان تهربان من قبر فارغ و لم تخبرا احد [ فخرجن سريعا وهربن من القبر لان الرعدة والحيرة اخذتاهنّ ولم يقلن لاحد شيئا لانهنّ كنّ خائفات (16 : 8 ]
الكتبة المسيحيون أضافوا فيما بعد , و من دون خجل , نهاية محسنة , و مرضية بشكل افضل !
إن الدليل الضمني لتاريخ كتابة إنجيل مرقس , يأتي من حقيقة أن مؤلفه جعل يسوع تنبأ بالدمار الذي لحق بالهيكل سنة 70م . و جعل من هذه النبؤة آخر خطاب لبطله قبل القبض عليه :
فاجاب يسوع وقال له أتنظر هذه الابنية العظيمة.لا يترك حجر على حجر لا ينقض. ( مرقس 13 : 2)
استخدم الكتاب المسيحيون ( الأولون , مثل إريناوس ) هذا التاريخ الباكر الممكن كتاريخ نهائي ــــ فبالقفز إلى عدم وجود إشارات واضحة لأحداث جرت بعد 70م , لدينا تاريخ تأليف إنجيل مرقس .
غير أن حدثا شهيرا مثل دمار الهيكل يمكن وضعه في القصة في أي وقت كان , بعد وقوعه الفعلي , إما بصورة مبكرة كسنة 70 م أو على نحو متأخركسنة 170 م!
إن المعلومات الموثقة أشد خفاء بين السطور
2 - إضطهاد , و خاصة إضطهاد من قبل اليهود :
..... .لانهم سيسلمونكم الى مجالس وتجلدون في مجامع وتوقفون امام ولاة وملوك من اجلي شهادة لهم ( 13 : 9 )
في تسعينات القرن الميلادي الأول أدخل اليهود اللعن في البداية على " المارقين " , ثم بلغت عداوة اليهود أشدها لليهود/المسيحيين بين سنتي 100 و 120 م . للأسف لم يكن هناك جوزيفوس فلافيوس ليؤرخ لحرب اليهود الثانية , لكنها في الحقيقة كانت حربا اشد و أعنف من الأولى . لقد كان لها الأثر العميق في مسح مقاطعة اليهودية من الخريطة .
3 - المعلومة الموثقة الأخيرة هي إشارة خفية من سفر دنيال 9 : 27 التي كانت في الأصل إشارة إلى أنتيوخوس و هو يدنس
هيكل أورشليم حوالي سنة 165ق.م بوضع صنم الإله زيوس بداخله .14.
. . . " رجسة الخراب " التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي.((ليفهم القارئ)).فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال. 15 والذي على السطح فلا ينزل الى البيت ولا يدخل ليأخذ من بيته شيئا. 16 والذي في الحقل فلا يرجع الى الوراء ليأخذ ثوبه. 17 وويل للحبالى والمرضعات في تلك الايام. 18 وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء. ( مرقس 13 : 14 - 18 .
البعض من المؤرخين ظنوا أنها إشارة إلى نوايا الأمبراطور كاليغولا في وضع تمثال شخصى له في الهيكل , النوايا التي اعلنها سنة 40 م . لكن هذا التمثال لم يوضع قط , لأن كاليغولا قتل في سنة 41 م . و الآن , في الواقع أن الأمبراطور هدريان أتخذ لنفسه نموذج أنتيوخوس على نحو ذي غرض , و كان الحافز للتمرد اليهودي الثاني هو تشييده ليس لصنم زيوس/جوبيتر بجانب تمثاله الشخصي , بل تشييده لمعبد كامل لهذا الإله .
و تبع ذلك أشد الحروب رعبا .
إن الجملة الإعتراضية القصيرة التي أضافها مؤلف مرقس " ليفهم القاريء" تدل على أنه كان يعرف أن إطلاق كلمة " رجس" على معبد جوبيتر قد ينظر إليها كتحريض على الفتنة , و هدريان كان قاسيا جدا مع اليهود بعد حرب الــ135 م . لو كان مؤلف مرقس يشير فقط إلى الدمار الذي نشأ عن الحرب الأولى , لكانت الجملة الإعتراضية لا معنى لها . فحتى الرومان - طبقا لما أرخ له جوزيفوس - كانوا متأسفين على الأقل على خراب الهيكل .
ينبغي أن نلاحظ أيضا أن الإشار إلى " الهرب في الشتاء " لها دلالة نوعية في احداث الحرب اليهودية الثانية . ففي الشتاء إنسحبت الجيوش الرومانية جزئيا لإعادة التجمع و الإنتشار , مما جعل الهرب ممكنا . و لا شيء مثل هذا حدث في زمن الشتاء إبان الحرب الأولى .
و هكذا يمكننا تجميع تسلسل الأحداث في قطعة واحده
في اعقاب كارثة الحرب اليهودية الأولى ( 66 م -73 م ) بدأ الباقون من طائفة الإسنيين في تسمية أنفسهم " كنيسة الرب " . و ألبسوا بطلهم ( معلم العدالة ) الميت إذ ذاك رداء المسيح . و لما كان الإسنيون يواجهون تحديا من الغنوسطيين ( المؤيدين لفكرة مسيح إلهي بالكامل ) و حيث انهم كانوا يحاولون في يأس تجديد و توسيع طائفتهم , شرعوا في عملية إضفاء صورة مثيرة للعاطفة على حياة بطلهم نصف المنسي . هذه العملية لإبتداع سيرة لم تكن غائبة عن أنصار بولس , العاملين في أحياء اليهود في المدن اليونانية .
أغرق اللاجؤون من فلسطين مدينة الأسكندرية , حاملين معهم طقوسهم و عباداتهم . و هناك واجه أنصار "الإنسان السماوي الخارق" البولسي , و هم يحرضون جموع اليهود من أجل نيل الدعم و التأييد , تحديا رئيسيا , ليس من الغنوسطيين و لا من الأسينيين الذين نجوا من الحرب , بل من المعمدانيين - أتباع يوحنا المعمدان .
المعمدانيون كما البولسيين كانوا قد أفلتوا من المجزرة برفضهم الإنخراط في صراع مع الرومان . و كان أتباع يوحنا المعمدان , مع بطلهم الحقيقي الميت الشهيد يمثلون أكبر تحد .
سيرة مبتدعة :
ترك موت بولس فراغا في قيادة " فصيله الأممي " . و لكي يحافظ أفراد هذا الفصيل على البقاء و يدافعوا عن أنفسهم كتبوا قصة عن شخص يسوع مستلهمة جزئيا من حياة و تعاليم بولس نفسه . و في أعظم التوليفات الدينية عمقا , مثلما سيثبت لاحقا , أعطى إله الشمس الوثني المتهود البولسي شكلا بشريا .
للإنتصار على المعمدانيين , نسجت قصة ذكية . يتم فيها الإعتراف أولا بأهمية يوحنا المعمدان , لكن يوضع على لسانه ,بصورة ملائمة أنه قال : { . . . . يأتي بعدي من هو اقوى مني الذي لست اهلا ان انحني واحل سيور حذائه ( مرقس 1 : 7 ) } . و ليس أقل من يسوع سماوي يخمن عندئذ , و تضفى عليه صلة بالمعمدان ـــــ يسوع ,كما يبدو , كان قد ذهب كأي تابع آخر إلى يوحنا و نال العمودية ! و الثيولوجي هنا ضعيفة جدا ـــــ لماذا الأعلى و الكامل يسوع يحتاج إلى عمودية التوبة من الناقص , " المولود في الخطيئة " يوحنا ؟؟
ظاهريا , عند هذه النقطة يدخل الروح القدس في مفعوله السحري , و أنار ليسوع مهمته (. . . والروح مثل حمامة نازلا عليه , مرقس 1 : 10 ) . و هذا , لنفس البولسيين , هو نفس المسيح الذي كان قد وجد " منذ بداية العالم "
و من المفترض انه كان يعلم شيئا ما أو شيئين !!!
مع ذلك , يتم إثبات تفوق يسوع على يوحنا المعمدان بحكاية .
تقفل قصة يوحنا بالقبض عليه ( . . . وبعدما اسلم يوحنا , مرقس 1 : 14 ) .
في اقل من ثلاثمائة كلمة , يتم وضع يوحنا المعمدان على الرف !! و مع يوحنا في مكان آمن خارج الطريق يبدأ يسوع في كرازته الخاصه ( وبعدما اسلم يوحنا جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ) , و هكذا طلع يسوع من الظل ( أو بالأحرى من الأثير ) و أخذ دورا علنيا ( في فلسطين قبل نصف قرن ) . و غطت الحياة التي إصطنعت ليسوع على الحياة الحقيقية ليوحنا المعمدان . كان " الصقر الإلهي " قد هبط .
للموضوع بقيةjHgdt v,hdm ds,u : " lvrs " Yk.hg hgdi,]d hgohvr Ygn hgHvq
المفضلات